المقالة

الآن وهنا

الآن هو الزمن الحاضر، أو اللحظة الراهنة، وهو زمن لا يقع بين زمنين كما يتوهم أغلب الناس، لأن شرط وقوعه بين زمنين أن يكون الزمنان موجودان بالفعل، والحقيقة أن الماضي والمستقبل كلاهما وهم، وهما ليسا من ضمن الكون، لأن كلمة كون تعني (الوجود)، ولا وجود للماضي ولا للمستقبل.
..
فأنت لا يُمكنك أن تأكل أو تشرب أو تنام أو تحك رأسك إلا في (الآن)، فما كان منك في غير الآن فهو إما أنه مات واندثر، أو أنه لم يولد بعد، فلا يُمكنك أن تحتضن أباك المتوفى، أو تربت على كتف إبنك الذي لم يُولد!.
..
لكن العقل البشري يأبى إلا أن يتعلق بالوهم، ويتشبث بالعدم، ويرتمي في أحضان اللاوجود، هرباً من الواقع الراهن الذي هو دائماً أجمل وأمثل.. لا لشيء إلا لكونه الحقيقة الوحيدة التي لا نزاع عليها ولا جدال فيها!
..
كل الهم والغم والضيق ناتج عن انحراف الإنسان عن اللحضة الراهنة، وعيشه في قبور الماضي، أو في سراب المستقبل.
فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يحمل على ظهره أثقال الماضي، ومصاعب المستقبل، فالطيور والأشجار وسائر الكائنات لا تعرف إلا زمناً واحداً وهو “الآن” ولهذا هي لا تحمل في أيديها ساعات ولا تسأل عن الوقت.
..
إن سعادة الإنسان وقوته تكمن في تحرره من الماضي والمستقبل، وعيشه في لحظته، واستمتاعه بالرحلة بدل التفكير في الهدف، وأن يحيا في كل لحظة على أنها هي الهدف والغاية.
انظر إلى نفسك، وراقب مسيرة حياتك… ألم تقل: عندما أتخرج سأكون سعيداً. وعندما تخرجت قلت: عندما أتزوج سأكون سعيداً. وعندما تزوجت قلت: عندما أنجب أطفالاً سأكون سعيداً. وعندما أنجبت أطفالاً قلت: عندما يكبرون سأكون سعيداً. وعندما كبروا قلت: عندما أتقاعد سأتفرغ لنفسي وسأكون سعيداً؟!.
ألا ترى أن سعادتك مؤجلة وأنك كلما وصلت إلى مرحلة انتقلت بعقلك إلى المرحلة التالية حتى تجد نفسك محمولاً على قطعة خشب؟!
..
راقب أفكارك، ألست تجد أغلبها قد انتهت صلاحيتها، وأن بعضها (مواجع) من أشخاص ربما بعضهم قد صار تراباً؟
ألست قلقاً على الغد، ومتوجساً من الآتي، وخائفاً من المجهول؟.
ذلك هو الثقب الذي تسربت منه كل طاقاتك، وتبددت منه كل قوتك، ولو أردت أن تحافظ على قوتك كاملة غير منقوصة فأقصر نفسك على “الآن”…. ولا شيء غير الآن!!
..
..
تلك هي الخلاصة التي فهمتها من قراءتي لكتاب: “قوة الآن” “the power of now” للكاتب الرائع: إيكهارت تول.

________________________

تحميل الكتاب.

مقالات ذات علاقة

حرب الفيس بوك الليبية العظمى

صالح السنوسي

البساطة

نجيب الحصادي

لم أنتبه إلا لصوت واحد

المشرف العام

اترك تعليق