المقالة

إثمٌ دينيٌّ قوميٌّ

هل يمكن معالجة أزمات الوطن العربي جزئياً؟

المعالجات الجزئية وإن كانت ذات أولوية إلا أنها تعيد العرب إلى نقطة الصفر ما لم تكن جزءاً من معالجة قومية شاملة.

من العبث واللاجدوى النظر إلى كل دولة عربية على حدة، ووجود العرب السياسي بقبائلهم وطوائفهم وشعوبهم هو حالة طارئة تم اصطناعها لتفتيت كيانهم والسيطرة عليه، هكذا حُصِروا في مربعات عشوائية استناداً إلى ما تم تسويقه كأساس تاريخي، فمصر بناها الفراعنة، والعراق ابتكره الأشوريون، ولبنان صنعه الفينيقيون، وهكذا.

هذه الأكذوبة نجحت على مستوى العالم، ولقد وجد العرب أنفسهم جزءاً منها بفعل شهوة السلطة والشغف ببناء دولة معاصرة من جهة، وبفعل الارتباطات الخارجية من جهة أخرى.

انحلّت الأواصر التاريخية لا ليصبح الوطن العربي مربعات هندسية لقبائل ذات أعلام وجيوش وإذاعات فقط، بل ولينجح الغرب بدق الأسافين بينها لتذهب أيدي سبأ، ثم لتحتكم أمام العالم على حدودها التي لم تكن تعرفها قبل قرن من الزمان.

انقسم الوطن العربي إلى “أوطان”، منها الملكية العائلية، ومنها الجمهورية القبلية، ومنها الحكومة الطائفية، وكانت العائلة والقبيلة والطائفة هي الأساس الذي تتم به صياغة الحكم ودستوره دون النظر إلى طبيعة المكونات الحديثة المؤسسة للدولة المعاصرة، وأوّلها مفهوم المواطنة، وإجمالاً لم يبن العرب دولهم لا على الطراز الأوروبي الذي تماهت فيه حكوماتهم، ولا على الطراز التاريخي للقبيلة الكبرى ذات الأعراف. فلا جماهيرهم عادت حرةً، ولا حكوماتهم استطاعت المواءمة بين الشكل القديم للكيان العربي الإسلامي وبين الحاجة الملحة لأن تكون جزءاً من العالم المعاصر.

“الأوطان” العربية منها الغني بالنفط، ومنها الفقير الذي لا تكاد موارده الطبيعية، المعدنية أو الزراعية، تفي باحتياجاته المتزايدة، لكن.. لا الدول النفطية أنقذت جيرانها، ولا الدول غير النفطية استطاعت أن تتحول إلى الصناعة أو الزراعة المنتظمة بما يحافظ على كيانها.

إن النفط لأثره الفوري والحاسم يبقى أقرب وسيلة لإعادة العرب إلى رشدهم؛ هذا إذا كانت الدول النفطية قادرة على تجاوز حالة الحُمق التاريخية التي تمر بها، هكذا يصبح نفط ليبيا والسعودية والكويت وغيرها، ليس ملكاً لحكومات هذه الدول وشعوبها، بل هو للعرب جميعاً. مصدر الثروة الوحيد هذا يجب أن يتم حصره أولاً وأن تقسّم عوائده ثانياً على العرب جميعاً وبقدر متساوٍ، أي بالدخول في مشاريع للتنمية المتوازية زمنياً وجغرافياً في جميع أنحاء الوطن العربي، أما ما يحدث حتى الآن فإنه إثمٌ قوميٌّ ودينيٌّ ترتكبه حكومات هذه الدول نتيجة ارتباطها وانخراطها الإجباري في المنظومة الاقتصادية العالمية، فضلاً عن أن هذه الحكومات لا تخدم شعوبها أبداً، ولكنها تحمي وجودها بهذا الارتباط قبل كل شيء آخر، ودون شرعية غالباً.

___________

نشر بموقع الأيام

مقالات ذات علاقة

كهف الضبعة

منصور أبوشناف

في الكتابة وما نكتب

يوسف الشريف

ثنائية الإسلام والغرب

عمر أبوالقاسم الككلي

اترك تعليق