الكاتب الصادق النيهوم (تصوير: فتحي العريبي).
المقالة

النيهوم .. ماذا قدّم للأُدباء والصحفيين؟

الكاتب الصادق النيهوم
الكاتب الصادق النيهوم (تصوير: فتحي العريبي).

لا شك أن كاتباً كبيراً بقامة الأديب الراحل الصادق النيهوم الذي مرت الأسبوع الماضي الذكرى الرابعة والعشرون لوفاته سيظلُ يحظى بالكثير من الاهتمام والنقد بعد رحيله، ربما بمستوى أكثر مما كان عليه حياً، وذلك بعد زوال فترة سياسية أعتبر فيها رمزاً وعلماً فكرياً وأدبياً يرتبط بعلاقة مميزة مع رأس النظام وأركانه، منخرطاً معه في برامج التثقيف والدعوة السياسية بالاتحاد الاشتراكي العربي الليبي في سبعينيات القرن المنصرم، وبالتالي أسهم في ترسيخ العديد من الأفكار والأطروحات والمقولات التي أسست لمرحلة من مراحل الفكر الايديولوجي والسياسي للنظام السابق.

إن كل ذلك لن يمنع الاعتراف له بالتميز والإبداع في استخدام لغة آسرة، استطاع بها استقطاب عدد كبير من القراء، لم يتمكن كاتب ليبي قبله من تحقيقه، حتى وإن ظلت هذه اللغة الرقيقة المتراقصة والمطرزة في تراصف كلماتها مبهرة ساحرة وغرائبيةً في مضمونها الفكري الذي تعبر عنه، أو ربما لا تعبر عنه أصلاً ولا عن أي شيء آخر، بل تضع القاريء المذهول أمام مفترق طرق مفتوح، ليختار تفاسيرها كما يحب ويفهم. وبالطبع فإنه حين يطرح مستوى الفهم العميق والدقيق لدلالات كتابات النيهوم الفكرية يتبادر إلى الذهن سؤال مهم يقول هل فعلاً فهم قراء النيهوم والمعجبون به ومحبوه ما يكتبه لهم؟ أم أنها ظلوا مسحورين برشاقة اللغة وتائهين وراء غموض معانيها ومراميها؟

إن النيهوم نال الكثير من الاهتمام والتقدير، وسيظل، ولكن هناك غموض حول دوره في دعم زملائه الأدباء والكتاب الليبيين ومناصرتهم والوقوف إلى جانبهم في كل ما تعرضوا له من محن ومضايقات واستخفاف من النظام السابق. فهو كان رمزاً لامعاً للأدب والصحافة والثقافة الليبية، وبالتالي تقع عليه الكثير من الالتزامات والمسؤليات الأخلاقية والوطنية تجاه هذا الوسط وفرسانه ومبدعيه وأقلامه، لعل أبسطها إعلان مواقفه الصريحة، وإصدار بيانات، يندد فيها بما كانوا يتعرضون له من إذلال وتضييق في حرية التعبير وسجن وقتل وإرهاب وإقصاء.

فمثلاً هل سمعنا موقفاً معلناً للصادق النيهوم حول ما سمي “إعلان الثورة الثقافية” وحرق الكتب وسجن الصحفيين في السبعينيات؟ وهل قرأنا مقالة يندد فيها بالاجراءات التعسفية التي كان النظام يمارسها ضد رابطة الكتاب والأدباء؟ وهل ناصر وساند صديقه الأديب الراحل “رشاد الهوني” أثناء وقوفه خلف القضبان عند محاكمة صحيفة “الحقيقة” التي أطلقته نجماً أدبياً في ليبيا؟

إن البحث في مثل هذه الأسئلة، وغيرها كثير، ليس غايته الطعن في نجومية النيهوم الساطعة في سماء الأدب والفكر الليبي والعربي، ولكنها أسئلة مشروعة تبحث عن مواقف كان يتطلبها الوطن من كاتب كبير.. إلاً أن الأديب الراحل الصادق النيهوم وبكل أسف لم يسجلها أو يهتم بقضايا ومعاناة زملائه الأدباء والكتاب .. وبالتالي خسرت ليبيا موقفاً وطنياً من أحد أبرز كتابها ومفكريها.
_____________________________________

نشر بصحيفة ليبيا الإخبارية، العدد رقم 530، بتاريخ 27 نوفمبر 2018، ص 15

مقالات ذات علاقة

ثلاث مقالات قصيرة وسطر

محمد دربي

الهوية الفطرية

محمد دربي

الفرصة الضائعة لتحويل ليبيا لمدينة سينمائية

المشرف العام

اترك تعليق