من أعمال التشكيلي عوض اعبيدة.
المقالة

القفة.. قصعة الصُدْقَة .. قصعة الجامع

من أعمال التشكيلي عوض اعبيدة.
من أعمال التشكيلي عوض اعبيدة.
اللوحة: الشبكة.

ويبدأ نهار من نهارات (سيدي رمضان), لكن هو نهار مختلف خاص جدا , يوم تُستَنفر فيه كل طاقاتنا ,إنّه يوم (قصعة الصدقة), لقد أعدّت أمي كل ما يليق بهذا اليوم ,مايليق بهذه (القصعة ) , أعدّت الشعير والذي كانت توصي أبي عن صفات معينة لجودته , ثم تنشغل بتنقيته وغسله ونشره ,ثم إعداده لكي يطحن , أخبرتنا ذات مرة , كيف كانت تسهر ليلة كاملة وهي تطحنه بالرحى, ولكن وكما تقول: (ماشاء الله توة كل شي ساهل), لكن بالنسبة لنّا نحن أسرتها لن يكون يوما سهلا ,لأنّها تريد المثالية والكمال لهذه (القصعة), (قصعة صدقة) لأرواح موتانا,كي يفاخروا بها حتى أمام الله سبحانه وتعالى.

بين بيتنا القديم (الحوش العربي ) وبيتنا الجديد (دوبلكس عصري) ثمة اختلاف ,لكن الذي يجمعهما هو شغف أمي وحرصها على التجهيز الكامل لأدوات هذه (القصعة), حيث (الفول المدشش)وحرصها على نظافته التامة, (وزير القرقوش) أو ( القديد) الذي تجهزه خصيصا لهذه (القصعة).

حين كنت طفلة كان الأمر يبهجني , ويمتعني ذهابي بتلك (الصواني) لكل الجيران, فهذه (القصعة) ستعمّ بركتها وتفيض, سنبتهج نحن الصغيرات باجتماعنا ومشاركتنا في ذاك اليوم المميزوتلك الدعوات بنجاحنا,,ولأن أبي كان وحيد أمه وجدتي في معيّته, بيتنا (حوشنا العربي) مكانا لاحتضان العمات وعائلتهن بذاك اليوم المشهود.

ولكنّ سأكبر وسيكون المكان هو بيت عصري , ولكنّ امي لن تنسى (قصعة الجامع) هذه التي كانت في زمن ما خاصة يؤتى بها من الجامع ذاته الذي ستكون له, ولكن تغير الزمان, وأمي مثل نحلة دؤوب هنا وهناك , ونحن نتبّع أوامرها نساعد وننفذ الأوامر , لتجيء تلك (القصعة )كما تحبّ , وأشهد أن مذاقها له طعم خاص, وأنّ كل التعب يتلاشى حين نرى ابتسامة أمي الواسعة و(القصعة) تتهادى فوق رأس أخي الكبير, (قصعة بازين) تفوح بطبيخة الفول ورائحة زيت الزيتون الذي حمرّت به البصل وأضافت ذاك الفلفل الذي هو أيضا من صنعة يديها الكريمتين.

وجاء زمان مختلف , كل عام نحاول إقناع هذه الأم أن نستبدل (قصعتها) بنقود أكثر فائدة , ولكنّها تحتج كيف تقابل وجه أحبابنا الذين ينتظرون هذا اليوم ويشمّون رائحة هذه (القصعة) ومازلت أتذكره ذاك النهار من رمضان, وكيف هي أمي كعادتها.

تتوق للكمال والمثالية وتستنفرنا جميعا, ويا الله على ذاك النّهار وذاك (البازين أو عزلة البازين) كيف كانت كبيرة و(القصعة) وحجمها الكبيروطبيخة الفول وفرح أمي وهي تشاهدها على رأس أخي متربعة, وجاءت تلك (القصعة) وكانت (عزلة البازين) كماهي أو ليس كما تشتهي أمي أن تؤكل كاملة, كانت متربعة في (قصعتها) تحيط بها بحيرة تفوح,مجرد لقيمات من هنا وهنّاك ,وكانت فرصتنا لنقنع هذه الأم أن نستبدل (قصعة الصدقة) بصدقة من الدنانير مؤكد أنّها ستصل إلى أحبابها أجرا .

هل غاب فرح من قلب أمي.. أظن ذلك..فليست (قصعة الجامع /الصدقة) مجرد طعام , إنّها تلك التحية التي كانت تبتهج كل رمضان بإلقائها على الأحباب وتوقن أنّهم سيفرحون بتلك الرائحة التي تصل إلى باب السماء.

_____________________

نشر بموقع بوابة أفريقيا الإخبارية.

مقالات ذات علاقة

سؤال للحوار: هل لدينا أغنية…؟

يوسف الشريف

سؤال الجهوية والدين في الثورة الليبية

صالح السنوسي

ما أجمل أن يكون لديك حلم جميل.. والآن أودع: خالد محي الدين

أحمد الفيتوري

اترك تعليق